lundi 18 février 2013

علاج الصدمة واستراتجيا الفوضى : اغتيال شكري بلعيد في تونس : معطيات أولية



مجموع تفكيك الافتراضي
تعيش تونس ومصر حالة من الارتداد متوازي ومتماثل، نقدم لكم بعض عناصر التشابه بين البلدين :

1-   "ثورة" افتراضية
في كلتا البلدين لا وجود لتغيير على ارض الواقع حتى نقول إن هناك تحول في حكم : الطغاة التي كانت مجرد "أعوان تنفيذ" وقع إسقاطهم ليجد "الإسلاميون المعتدلون" أنفسهم في مواقع "السلطة" بالاعتماد على انتخابات ديمقراطية، ولكن من الواضح ان مواقع السلطة الحقيقية لا تسكن الكراسي التي احتلوها. يحتفظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر بمفاصل السلطة الحقيقية ويعمل على تحريك خيوط اللعبة في الاتجاهات التي يريدها باعتبار انه في اتصال مباشر ودائم بعرّابيه وحماته في واشنطن وتل أبيب. اما بالنسبة إلى تونس فالسؤال حول من يستحوذ على السلطة الحقيقية لا يمكن الإجابة عنه بنفس الوضوح لان الوضع في هذا البلد اكثر ضبابية. فلنسلم فرضا بان السلطة الحقيقية توجد بين أيدي مافيا أتجارية بيروقراطية بوليسية من بقايا النظام السابق- وهي فرضية تمكننا من التقدم في التحليل ويؤيدها تكلف عمداءهم التحول من تجمعين إلى إسلاميين آو ملتحين.     
2-  علاج الصدمة
انتجتها هذه "الثورات" نظم ديمقراطية تشترك في كونها تأتمر بامر "اسياد لها سلطة الامر والنهي" كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة واروبا والولايات المتحدة الامريكية والمملكات النفطية الخليجية. كل هؤلاء الآمرين يسكنهم هم واحد وهو إفشال كل ثورة حقيقية يمكن إن تنجح لدى الشعوب في المنطقة العربية او غيرها من المناطق لان الشعوب بتحقيق ثورات حقيقية ستتمكن من ارساء عدالة اجتماعية عن طريقها تمارس الشعوب حقها الأساسي كمواطنين في اطار دولة القانون بالتحكم أولا في موارد الطاقة التي نزخر بها باطن أرضيها وكذلك في إدارة الملكية العامة (المياه والارض والتراث).
ويمارس  علاج الصدمة في عدة أوجه:
أ‌-     وجب علي هذه الحكومات المنصبة دفع كامل الديون الكريهة التى ورثتها الشعوب عن سالف طغاتهم وذلك لاستيفاء الشرط الوحيد للحصول على ديون جديدة وهكذا تغرق البلدان في مديونية اكثر حدة.
ب‌-وجب على الحكومات الحالية مواصلة برامج الخصخصة التي بدآها سلفهم من تفويت في مصالح الخدمات العامة لصالح الخواص ولهذا فانهم من المدافعين على الخصخصة والتصفية لثروات البلد لصالح الشركات المتعددة الجنسية، ووضع هياكل خاصة بمراقبة المجموعات السكانية المتمردة وخاصة منهم الهياكل النقابية المهنية والشباب المفقر كالمعطلين عن العمل أصحاب الشهائد العلمية. وبمثل هذه البرامج يتضرر المجتمع فتدعو الحكومات الى تكريس حلول "أسلامية" كالصدقة والزكاة كحل بديل عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الشرعية.
ت‌-ما يعطى بيد ينزع باليد الأخرى هذا واقع هذه الحكومات. فمئات الملايين من الاروات تهاطلت على منظمات المجتمع المدني من اوروبا والمؤسسات الخيرية الامريكية والالمانية والهدف واحد فقط هو مراقبة وتهذيب وتوجيه العمل الجمعياتي الى ممارسات استمنائية لا تغير من الواقع شيء حتى تمنع الشباب المتعلم المناضل من ممارسة السياسة الحقيقية بمعنى تنظيم الشعب وتعبئته لتحقيق مطالبه في التصرف في خيرات بلاده.
ملحمة 2 اوت 1980 بمحطة قطار بولونيا (ايطاليا) التي خلفت 85 ميتا و200 جريحا كما رسمها الفنان كارلو كروس
3-   استراتيجيا الفوضى
تطبق نفس اسس هذه الاستراتيجيا في البلدين وهي الاستراتيجية التي وقع تجريبها في اليونان سنة 1967 وفي أمريكا اللاتينية وتركيا كما جربت استراتيجيا الضغط في ايطاليا ولبنان اثناء العشرية 1970-1980 وفي الجزائر في التسعينات من القرن الماضي. وما الاختلاف في كل هذه الحالات سوى بعض التعديلات التكتيكية لجعلها ملائمة للوضعية المحلية الخاصة. تتكون ترسانة الأسلحة لخدمة هذه الاستراتيجية من :
أ‌-       انتداب مجموعات صغيرة مهمتها استعمال العنف المسلح-أو ما يسمى بالإرهابيين- وذلك لنشر الخوف وهدم الاستقرار لدى الفاعلين على الساحة حتى بنفض الجميع عن إرادة المقاومة السلمية من اجل الشفافية والديمقراطية. إن هدف هذه المجموعات هو تحطيم كل هياكل المؤسسات (الأحزاب النقابات والحركات) التي قد تأخذ على عاتقها تعطيل خصخصة الاقتصاد.
ب‌-    وتسعى هذه الاستراتيجية الى تقسيم الرأي العام  إلى أقطاب أيديولوجية بحيث تخلق منطق "الفصائل" المنفصلة عن بعضها بشكل يعمل كل فصيل على نفي نقيضه ويقاومه مقاومة عنيفة. وان هذا المنهج لهو عنصر جديد من عناصر سياسة "فرق تسد" بشكل يصبح المجتمع منقسم الى :
 من فوق تقدم البرجوازية على ان جزء منها يكون "حدثي لائكي ديمقراطي" وهي مناقضة لبرجوازية أخرى تكون "محافظة اسلامية ديمقراطية" اما من تحت فهناك الشعب في جزء منه يكون "تقدمي تحرري ثوري" هو في حد ذاته مناقض للجزء الآخر من الشعب "التقليدي المتعصب الفاشي". إذا فالوسيلة الوحيدة الكامنة بين ايدي اصحاب السلطة الحقيقيين للحفاظ على مصالحهم هو الحرب الاهلية حرب الاخ ضد اخيه، والاخت ضد اختها ،والأبوان ضد أطفالهما، والمتحررين ضد المكشطين (لابسي العمائم) وكذلك من خلال إيجاد تحالفات بين العمال ومستغليهم على أساس أن تفرقة بين العامل وصاحب العمل لا علاقة لها بالحاجيات الواقعية والمصالح الطبقية للحراك الشعبي  
الاستعمال للثنائي "انتفاضة/مؤامرة" هو عمل إجرامي في مصر كما هو الحال في تونس. لقد استغل هذا الاستعمال في الجزائر سنة 1988 لتحويل انتفاضة الشباب المفقر الشرعية الى عنف عدمي مقنع يبرز اثناء التجمعات الشعبية بفعل شبكات بوليسية مافياوية. وغاية هؤلاء هو حث الشعب على المطالبة بإيجاد سلطة قوية بامكانها حفظ الامن. واخر ما ظهر في هذا المجال جماعات "بلاك بلوك" في القاهرة يمناسبة 25 جانفي 2013. جماعة مثلها مثل مجموعات جنوا سنة 2011 التي كانت مخترقة من قبل البوليس وكذلك في مونريال وتورنتو ولندرا وسترازبور او كذلك هيليجندام.
ت‌- تكون الاغتيالات الممنهجة للشخصيات الاساسية تقررها وتنظمها شبكات خفية لاصحاب السلطوة الحقيقيين. وتوجه الاتهامات في نفس الوقت لآخرين بشكل يحقق لهم قطيعة لا رجعة فيها في المجتمع الواحد. (انظر النقطة أ). اغتيال شكري بلعيد ، كاغتيالات الاخرى لسياسيين مثل طاهر جاوت عبد القادر حشاني، محمد بوضياف ، والعديد من المناضلين (ليابس، بوسبسي، فليسي، ماهييو، مربح، بلقايد، علولا،  بوسليماني والشيخ سحراوي) في الجزائر التي جربت فيها هذه الاستراتيجيا.
وجب على الحركات الاجتماعية التقدمية أو الثورية ان تعي جيدا أخطار هذه الاستراتجيا المطبقة على ارض الواقع لان إغفالها يعني السقوط في جب مميت. كما يجب عليها معرفة مصير الثور الذي تقدم في الملعب مباشرة على قطعة القماش الأحمر بدون ان ينظر في بد ملاعبه الذي سرعان ما يغرس السهم في فكه.  
ملاحظة
العدالة الانتقالية  هي مساريهدف الى نشر السلم الاجتماعية بوضع آليات تعوض العدالة المعمول بها سابقا وذلك ل"طيي صفحة" ماضي الديكتاتورية المظلم او ماضي حرب أهلية ووضع حدا نهائيا للمطالب القضائية المرفوعة من قبل الضحايا. أكثر الأمثلة انتشارا هو مثال "هيئة الحقيقة والمصالحة" التي أنشأت بإفريقيا الجنوبية. اما بالنسبة للبلدان العربية فان المغرب هو -إلى يومنا هذا- البلد الوحيد الذي أسس مثل هذه الهيئة تحت اسم "هيئة الإنصاف والمصالحة". أمضت وزارة حقوق الإنسان بتونس اتفاق شراكة مع "المركز الدولي للعدالة الانتقالية" (في نيويورك) حتى تتحصل على مساعدة تقنية في مجال العدالة الانتقالية في مستويات عدة أهمها البحث عن الحقيقة، التعويضات للضحايا، العدالة الجزائية، والإصلاح الهيكلي الدستوري والقضائي. فعلى المركز الدولي للعدالة الانتقالية كذلك تقديم الإعانة التقنية لإحداث "هيئة الحقيقة ولتقديم برنامج فعلي لجبر الضرر".    

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire